الوجه الآخر لاستخدام منصات التواصل الاجتماعي

عبد المؤمن محمودي
لا تقتصر شبكات التواصل الاجتماعي على "اللايك والشير" فالخوارزميات التي تعمل في الخفاء تقوم بأدوار "مريبة" أحيانا، وهي ترسم بذلك وجها آخر لفيسبوك وإخوانه

توجيه الرأي العام
عجلت الضغوط التي واجهتها منصة "فيسبوك" بعد فشلها في التصدي للمعلومات الزائفة وغير الدقيقة التي يعتقد أنها أثرت على نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة إلى إعلانها عن مجموعة من الإجراءات المتتالية لمواجهة الأخبار الكاذبة والإعلام الموجه، وثبت قبلها تورط تنظيمات سياسية وجهات حكومية عدة في التأثير على الرأي العام من خلال الاستعانة بمختصين تقنيين أو حتى "هكرز" في اختراق صفحات رقمية لجهات مناوئة وتغيير محتواها أو تعطيلها نهائيا، وفي أحيان أخرى يتم عمل حملات مجانية أو مدفوعة بالاعتماد على مجموعات رقمية وهمية لخلق رأي عام وإنتاج قوة ضغط إعلامية قد تنتقل إلى ضغوط فعلية تحت نظرية ميل الأفراد لركوب الموجة أو ما يسمى "ترند" ويتجلى ذلك بشكل خاص على منصة تويتر.

في الأزمة الأخيرة التي عرفتها منطقة الخليج تم توجيه عدد من التهم لمؤسسات قطرية ناشطة بالمجال الإنساني وتقديم مذكرات دولية في حقها، لكن المفاجئة كانت كبيرة عند الاطلاع على الوثائق والأدلة التي قدّمت بهذا الشأن، حيث تم الاعتماد على عدد من المقالات الصحفية الإلكترونية وعدد من المدونات -موسوعة ويكيبيديا مثلا- للتدليل على صحة هذه الاتهامات، وتم ربط مقالات باللغة الإنجليزية - تعدد المخالفات القانونية للمؤسسات الإنسانية القطرية- بصفحات باللغة العربية مأخوذة من مواقعها الرسمية بعيدة كل البعد في محتواها عن المقال الأصلي، والغريب أنه تم تناقل هذه الأخبار بين عدد من الحسابات العالمية المهمة التابعة لمؤسسات إعلامية عريقة!!، كما ثبت تورط عدد من الدوائر الرسمية بالدول المعنية في تبني ودعم جيوش من الحسابات الاجتماعية النشطة لخلق "ترند" وزخم للأخبار الزائفة والمغلوطة التي تخدم أجندتها السياسية.

الشبكات الإعلانية الرقمية

أصبحت الإعلانات الرقمية الوسيلة المفضلة في التسويق التجاري، وذلك نظرا لتكلفتها الضئيلة مقارنة بطرق الإعلان التقليدية ، ولكن ميزتها الأهم تكمن في ارتباطها بقاعدة بيانات ضخمة للعملاء مكنت من تحديد أكبر للفئات المستهدفة من خلال أرشيف التصفح والمعلومات الشخصية وملفات تعريف الارتباط، وتصدرت جوجل المؤسسات الإعلانية الكبرى عن طريق خدمتها "أدووردز" كأكبر شبكة إعلانية رقمية محققة أرباحا بقيمة 22.7 مليار دولار في الربع الثاني من العام الماضي ومستحوذة على ثلاث أرباع الشبكة الإعلانية بفضاء الإنترنت تليها شبكة "فيسبوك" الإعلانية التي حققت قفزة تاريخية في سقف أرباحها متجاوزة سقف 10 مليارات دولار، في المقابل كان لهذه العوائد المالية الضخمة للمنصات الرقمية أثر سلبي على المؤسسات الإعلامية التقليدية والتي أصبحت تعاني عجزا في مواردها المالية أدى بالنتيجة إلى تسريح عدد كبير من العاملين بها وانخفاض نشاطها الإعلامي والتسويقي.

وفي تطور نوعي للأساليب التسويقية الرقمية، تعد خاصيتا إعادة الاستهداف (retargeting) وإعادة التسويق (remarketing) ثورة حقيقية في الاستراتيجيات التسويقية الحديثة لما يمثّلانه من إضافة نوعية في تحقيق عائد استثمار عال، ورغم تشابه الخاصيتين في المفهوم العام ، ولكن الاختلاف يكمن في آلية التطبيق، حيث يعتمد عليهما في توجيه الإعلانات للعملاء الذين قاموا بزيارة المواقع الالكترونية من خلال ملفات تعريف الارتباط أو ما يعرف بـ" الكوكيز" بالإضافة إلى تحديد الهوايات بناء على "بروفايلات" المستخدمين ضمن حسابات التواصل الاجتماعي، وسبّبت هذه الممارسات التسويقية انزعاج العديد من مستخدمي الشبكة العنكبوتية وساهمت في رواج استخدام تطبيقات وإضافات حماية المستخدم وتغيير النطاق الجغرافي.

بالحديث عن قوة التأثير أظهر استطلاع للرأي أن 50% من المستجوبين يميلون لأخذ النصائح والانطباع حول المنتجات التجارية وجودة الخدمات من منصات التواصل أكثر من الإعلانات التقليدية عبر وسائل الإعلام، ويبرز هنا نجوم "السوشيل ميديا" كطرق إعلان غير تقليدية عالية التأثير، ففي تجربة متميزة لماركة الساعات الشهيرة(MVMT ) تمكنت الشركة من اكتساب زيادة أربع أضعاف في معدل طلبات الشراء عبر موقعها الإلكتروني بعد تعاملها مع مؤثرين بـ "السوشيل ميديا"، كما أن تطور الوسائل الرقمية المساعدة على صناعة المحتوى وتوفرها بأسعار في المتناول أسهم في فقدان الوسائل الإعلانية التقليدية احتكار ميزة الجودة الإبداعية بالإضافة إلى ميزة التفاعل والتي تحضر بقوة عند الحديث عن منصات التواصل الاجتماعي

سياسات الخصوصية وحماية المستخدم

يتقاطع الجمهور الرقمي في الاستفادة من المزايا التي توفرها الشبكات الاجتماعية تواصلاً وتفاعلاً ، ورغم اعتماد المنصات الرقمية سياسات للخصوصية التي تدعي حماية المستخدم ومراعاة القوانين والالتزامات الأخلاقية ، فقد اظهرت الدراسات الاستفحال الرهيب لأشكال العنف اللفظي والأفكار المتطرفة ودعوات الكراهية التي أضحت منتشرة بشكل كبير في المحتوى الرقمي، وباتت تعاني منها شرائح عدة كالنساء والقصر والأقليات، وأشار آخر تقرير لمؤسسة إدلمان أن 70% البريطانيين مثلا يرون أن منصات التواصل الاجتماعي لم تلبّ تطلّعاتهم في مواجهة المضايقات غير الأخلاقية وغير القانونية التي تواجههم في تفاعلاتهم اليومية، وأصبحت صور وفيديوهات لمحتوى محظور كالقتل والتعنيف والاستغلال الجنسي متداولة بكثرة ضمن شبكات التواصل الاجتماعي رغم الجهود التي تبذلها المؤسسات المالكة للمنصات الرقمية لتطوير برمجيّاتها والحدّ من هذه الظواهر.

وخلاصة القول.. مهما استحسنّا أو استهجنا الآثار المترتبة على استخدام منصات التواصل الاجتماعي فإنها في النهاية أصبحت جزءا أساسيا من المنظومة الاجتماعية الشاملة وهو ما يحتم على كل المؤسسات والهيئات باختلاف نشاطاتها الأخذ بعين الاعتبار تطوير إمكانياتها بالعالم الافتراضي من خلال توجيه سياساتها نحو التأقلم أكثر مع المجتمع الرقمي وتدعيم طواقمها العاملة بكوادر ومختصين في هذا المجال مع تحديث وسائلها التقنية لمجاراة التغيّرات المتسارعة في الممارسة الإعلامية، انطلاقا من المبدئ الراسخ من لا يتجدد يتبدد.

عبد المؤمن محمودي
عبد المؤمن محمودي

مختص تسويق رقمي وإعلام إجتماعي

التعليقات