رابطة من رحم الكفاءات والقناعات.. والفراغ أيضًا
بقلم: نصرالدين بن حديد
إعلامي جزائري مقيم في تونس
لا حاجة إلى الغوص كثيرًا في الواقع الجزائري، لتتبيّن لنا ـ حين نحصر النظر في الواقع الإعلامي ـ حقائق على قدر كبير من الأهميّة وربّما الخطورة: أوّلا: عدد وفير من الكفاءات الجزائريّة العاملة خارج حدود الوطن، لم تدفعها الحاجة ولم تجلبها إغراءات (في المقام الأوّل)، بل غياب الأفق في الجزائر أوّلا وثانيا (والأهمّ) ذلك الحقّ المشروع في خوض تجربة تلبّي الحاجة الطبيعيّة والدفينة داخل كلّ صحفي مبدع.
ثانيا: مهما كان الموقع، ومهما جاء الموقف، لا يمكن سوى الجزم أنّ الواقع الإعلامي داخل حدود الوطن، (ضمن أشدّ الحالات تخفيفًا) "لا يرقى إلى الحدّ الأدنى المقبول" لبلد يملك مثل هذه الكفاءات ويستحق إعلاما يليق بما جاءت من أجله الثورة المجيدة.
ثالثًا: لا يمكن الفصل، منهجيا أو اجرائيّا، بين الحال الذي تردّى إليه الإعلام الجزائري من سوء وما هو عليه الوضع العام في البلاد، سواء على المستوى السياسي، أو حتّى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. من ذلك، يكون الواجب (واجب الاعلاميين المقيمين خارج الوطن) أن يسهموا في تشخيص الوضع أوّلا وتحليله، على الأقلّ في بعده الإعلامي، ومن ثمّة تقدير الأساليب القادرة على الحدّ من حال التردّي أوّلا وربّما النهوض بالوضع إلى ما نراه حقّا جديرة البلاد به.
لا تكمن أهميّة المقاربة في قدرة الإعلاميين على تحديد مواضع الوجع في مجال الإعلام فقط، ولا في أيّ وصاية، مهما كان صنفها، يمارسونها على غيرهم في الداخل، حين يأتي أهل الإعلام أشدّ رفضًا للرقابة والوصاية من غيرهم، بل ـ وهنا تكمن الأهميّة ـ في أنّهم أصحاب حقّ كامل وواجب غير منقوص، في المشاركة في تشخيص الوضع ومن ثمّة يكونون طرفًا (ضمن غيرهم) في السعي للخروج بهذا القطاع الاستراتيجي إلى "الوضع الأفضل".
من نافلة القول التأكيد، بل الجزم أنّ "أهل الإعلام في الخارج" لا يدّعون أفضلية أو قدرة أفضل من زملائهم في الداخل، بل لا يتعدّى التفريق بعده الجغرافي المباشر، دون التغاضي عن أنّ العمل في مؤسّسات اعلاميّة بعينها (خارج البلاد) مكّن عددا من الزملاء من تجربة، يصعب أو يستحيل تحصيلها في الداخل، سواء لغياب تقاليد بعينها في مؤسّسات الوطن أو ضعف التجهيزات.
أيضًا لا يمكن للرابطة وأهلها أن ينحصروا أو يحصروا اهتماما بما يراه البعض "شأنا إعلاميّا" (مباشرًا)، لسببين، أوّلهما أنّ الصحفي مواطن بل هو من النخبة المرابطة عند الصفوف الأولى، وثانيا، لا يمكن بأيّ حال فصل حال الإعلام عن حال البلاد (ضمن المعنى الأشمل).
لا يمكن لهذه الرابطة أنّ تتحوّل إلى "حزب سياسي" أو طرفًا ضمن معادلات حزبيّة مباشرة، لكن ـ كذلك ـ لا يمكن فصل العمل من أجل الارتقاء بالمهنة وأهلها عن "الواقع السياسي" العام، حين لا يمكن بأيّ حال فصل مسألة "الحريات" (ضمن المعنى الأشمل) عن المقاربة العامة للوضع السياسي، وكذلك لا يمكن فصل "السياسة الاعلاميّة" عن السياسة العامّة للبلاد. قوّة الرابطة، بل قدرتها على أن تكون الرقم الفاعل بل القادر على تقديم الأفضل للبلاد والعباد، تكمن في وضوحها، أي وضوح الأعضاء مع بعضهم البعض، حين لا نأتي جميعا على ذات الرأي السياسي أو القراءة الواحدة للوضع القائم في البلاد، لكن قدرة هذه الرابطة (بل دورها الأوّل) في التأسيس لقناعة شاملة ووعي شامل، بل ما يمكن أن نراه "الحدّ الأدنى الواضح والجليّ وغير القابل للتغطية أو يحتاج إلى تأكيد"، وثانيا، الشروع في صياغة رؤى عملية فاعلة، للرفع من درجة التنافذ بين الأعضاء أوّلا، من خلال النقاش وتبادل الآراء وإبداء الرأي في ما يصدره الأعضاء من كتابات، وثانيا وضع خطط واضحة وبرامج جليّة للنهوض بما تراه الأغلبيّة أولويّة سواء داخل الوطن أو خارجه...