"أهل الرابطة" .. مهمة للزرع وأخرى للسقي !

بدأت الحكاية مجرّد أمنية أو هي نيّة، إن لم تكن أملا منسيا وحلمًا ضائعًا: كيف لهذا العدد المحترم من الكفاءات الإعلاميّة الجزائريّة العاملة في مجال الإعلام خارج الوطن أن ترد للوطن بعضًا من بعض ما هو «الحقّ»؟؟؟
كانت الفكرة الأولى بأن يساهم هؤلاء «المهاجرين» بما يحملون من دراية ومن تجربة، وكذلك تلك الرغبة ليس فقط في تقاسم ذلك مع جيل كامل من العطشى إلى التكوين والتطوير، بل ـ وهذا الأهمّ ـ أن يكون الإعلام في الجزائر ذلك «الربيع المزهر» على مدار السنة بل السنوات القادمة؟؟؟
بقلم نصر الدين بن حديد :
إعلامي جزائري مقيم في تونس
تكفّلت «الرابطة» بتأمين طاقم متطوّع بالكامل للإشراف على سلسلة من الدورات التدريبيّة، شريطة أن تكون الأسعار دون المعهود، حين ثبت أنّ عدد من الراغبين غير قادر على تأمين التكلفة.
دورتان كان لي شرف الإشراف عليهما في كلّ من مدينة عنّابة وقسنطينة. بداية كان «الخوف» ليس من مهمّة التدريب ذاتها، بل من الصورة التي عليّ أن أقدّمها لجيل يحمل «عطشًا شديدًا» وكذلك «طموحًا أكبر»، وأساسًا يرى في «أهل الرابطة» ذلك الطوق الذي عليه أن يرتقي بالإعلام في الجزائر.
لا يمكن نفي هذا «التكليف» وكذلك لا يمكن «التخلّي» عنه....
البداية كانت في «مركز جنى للتدريب والتطوير الذاتي» أيّام 2 – 3 –4 أفريل 2016، في عنّابة، مع عدد غير مرتفع من المشاركين والتجربة والدراية، لكن شعلة الطموح في العيون كانت كافية ليس فقط لرفع أيّ حواجز، بل ـ وهذا الأهمّ ـ للتأسيس لتجربة ترقى فوق ما عشت من تجارب سابقة.
كذلك كان الحال أيّام 5 – 6 – 7 في «المعهد الدولي للتنمية والإبداع»، في قسنطينة، مع عدد أكبر، ممّن يعلنون صراحة وفي وضوح لا يحتمل اللبس، أنّهم طلاّب معرفة وأصحاب حلم وأساسًا يريدون الارتقاء في أسرع وقت ممكن إلى مرتبة الاحتراف والتفوّق فيه.
الملاحظة الأولى والأهم:
سواء في عنّابة أو قسنطينة، يكمن الإشكال في أنّ العدد الأكبر بل الغالب من المشاركين كان من فئة الطلبة، وكذلك جاء العدد الأكبر بل الغالب من هؤلاء الطلبة من غير الدارسين في معاهد الصحافة والإعلام، ممّا يعني أنّ معارفهم (بالمفهوم الأكاديمي) في الغالب لم تكن تتجاوز قراءات بسيطة وثقافة عابرة، ممّا دفع إلى تخصيص اليوم الأوّل وجزء من اليوم الثاني، لشرح المفاهيم الأساسيّة التي على أساسها يكون بل ينبغي الدخول إلى موضوع الدورة أيّ «الصحافة المكتوبة في عصر الصورة».
الملاحظة الثانية:
لم تكن «ثقافتهم الإعلاميّة» ضعيفة بقدر ما كان تعوزهم تسمية الأشياء وربطها ببعضها البعض، لذلك جاء «التذكير بالمفاهيم» (الأساسيّة) أقرب إلى «إيقاظ المعرفة» من «التلقين الأكاديمي» ممّا يعني أنّ «الثقافة السائدة» إضافة إلى «استهلاك الإعلام» طبع الذاكرة والعقول بكمّ معرفي، احتاج فقط إلى «التبويب» لا أكثر.
ملاحظة ثالثة:
جاءت الدورة (في الحالتين) أقرب إلى جرعة ماء أو بعض منها، لمن أصاب ظمأ سنين، ومن ثمّة تكون المهمّة والإلزام بل الضرورة والواجب، عدم ترك هذا الشباب بمفرده، لأنّ دورة أيّام معدودات عاجزة عن جعلهم يتجاوزون مرتبة «الانبهار» أوّلا وكذلك «لذّة المعرفة» إلى ما نريد، من غطس وسط المعرفة والتشبّع بها، ليكونوا قادرين على «السباحة» بمفردهم.
لذلك، يمكن الجزم أنّنا (الرابطة وشركاؤها) زرعنا نبتة في أرض صعبة وعليها أن نداوم الرعاية وألاّ ننسى السقي ما احتاجت، إلى أن يشتدّ عودها.
ملاحظة رابعة:
كانت المهمّة الأولى (للدورة) تلقين هذا الطيف من الشباب، بعض المبادئ والمفاهيم والانتقال بهم إلى «جدليّة التفكير» في موضوع الدورة، أكثر من السقوط ضمن «التلقين المعرفي»، حين لم يكن من الممكن، الذهاب بهم أبعد من ذلك...
ملاحظة خامسة:
جاء الجميع إلى الدورة (دون الاستثناء، بل هو الإجماع) من باب البحث عن «سلاح» (إضافي) يواجهون به سوق الشغل وصعوبة الحصول على وظيفة، بل أعرب الأغلبيّة عن استعداد مبدئي، لتحويل الوجهة نحو الإعلام في حال توفّرت الفرصة أو هو موطن الشغل.
الخلاصة:
يمكن الجزم أنّ «الرابطة» استطاعت أو هي ساهمت في زرع عدد من البذور في نفوس توّاقة إلى إعلام أفضل، لكنّ المهمّة تبقى في عدم ترك هذه «البذور» دون رعاية ودون إحاطة...
شكر خاص وعميق:
إلى الشريكين في هذه الدورة، في كلّ من عنّابة وقسنطينة، عمّا كان من حفاوة فاتت الخيال وترحاب تجاوز المعقول، وإكبار وكلّ الشكر للرّابطة وما صارت تمثّل من منارة تضيء سماء الإعلام الجزائري...