الإعلامي القدير محفوظ بن حفري في حوار حصري للرابطة
جيلنا واجهته ظروف .. وواتته فرص فاستغلها

هو من الوجوه القليلة التي طبعت التلفزيون الجزائري في فترة الثمانينات، غطى الكثير من الأحداث تميز برصانته وبحضوره الهادي. حظي في غربته باحترام وتقدير المشاهد العربي على مدى سنوات قضاها في عمل وصمت بعيدا عن وطنه.
في هذا الحوار الذي خص به "الرابطة" يطوف بنا الإعلامي الجزائري القدير محفوظ بن حفري في ثنايا الذاكرة ودروب المهنة ومحطات السفر..
- قمت بتغطية زيارات للرئيس الراحل هوار بومدين
- شاركت في تغطية إثراء الميثاق والدستور ( 1975 -1976)
- طلبت من الشاذلي بن جديد أن يلغي تغطية التلفزيون لزيارات المجاملة !
- فضلت أن أبقى صامتا حتى لا أثير زوابعا
الرابطة: هل يمكن أن تعطينا نبذة تعريفية عن محفوظ بن حفري؟
محفوظ بن حفري:
تأخرت كثيرا في الحديث والكتابة عن حياتي بحلوها ومرها. ولكنني عندما تلقيت عرض هذا الحوار قهرت التردد الذي انتابني، وانطلقت في هذه الإجابات حتى وإن كنت لا أحبذ الحديث كثيرا عن نفسي.
نشأت وترعرعت في مدينة المدية في بداية الخمسينيات في عائلة محافظة متوسطة الحال وفرت لي أسباب النمو الطبيعي، من أب متعلم تتلمذ على يد العلامة الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله ومارس مهنة التدريس ضمن مدارس جمعية العلماء المسلمين. وكان لا بد أن التحق بالمدرسة الزبيرية بالمدية، التابعة للجمعية وبعدها إلى الثانوية ثم كلية الحقوق ببن عكنون.
الرابطة : وكيف دخلت عالم الصحافة ؟
محفوظ بن حفري: لم أكن أتصور في يوم من الأيام ان أصبح صحفيا ولكن شاءت الأقدار أن ألتحق بالإذاعة والتلفزيون بمحض الصدفة سنة 1974.
الرابطة : كيف بمحض الصدفة؟
محفوظ بن حفري: في كثير من الأحيان تلعب الصدفة أو طارئ معين في تغيير وجهتك. فأنت الذي تخطط لأن تسلك طريقا معينا، تعي كل الوعي بأنه المسلك الذي يفي إلى الوجهة المقصودة، ولكن دون تفكير تندفع إلى طريق آخر، لا تدري الى أين يوصلك. وكان الذي لم يكن منتظرا، في يوم من الأيام قبيل حوالي ثلاثة أشهر من امتحان شهادة الباكالوريا قال لي صديق قريب مني جدا انه كتب طلبا للتوظيف في الإذاعة والتلفزيون بإيعاز من صديق له يشتغل في قسم الموظفين.
فعاتبته على عدم اطلاعي على ذلك، لكنني سارعت الى إرسال طلب مماثل، وتم استدعاؤنا لامتحان لم أكن أتصوره ودون الدخول في تفاصيل أخرى تم قبولي ورُفض صديقي الذي سلك طريقا آخر في مساره المهني!
رغم صغري سني استطعت في ظرف قصير أن أثبت وجودي ضمن فريق أحسست من اليوم الأول أنني بين أفراد عائلتي، ربما بسبب سياسة الحزب الواحد أو وجود قناة وحيدة في البلاد، هذا الذي فتح لي الباب على مصراعيه لاكتساب مهارات قد لا تجدها في يومنا هذا، وهي التي كانت الأساس لمواجهة عالم جديد في المهجر.
الرابطة: ما هي أهم ذكرياتكم في التلفزيون الجزائري؟
محفوظ بن حفري: خلال العشرين سنة التي قضيتها في التلفزيون الجزائري تعلمت الكثير ممن سبقوني الذين اترحم على معظمهم فكانوا نعم الآباء والأخوة وفتحت عيني على عالم لم أكن أتصور أنني أغوص فيه وأنا في مقتبل العمر، من خلال التغطيات الصحفية والاحتكاك بالشخصيات السياسية والثقافية.
واشتد عودي بمر السنوات، حيث واكبت فترة الرئيس الراحل هواري بومدين، وقمت بتغطية اثراء الميثاق والدستور سنة 1975 وبعض الزيارات الرئاسية ، كما كانت لي علاقة خاصة بالراحل الشاذلي بن جديد من خلال مرافقته في العديد من الزيارات الى الخارج، و كان له الفضل في انفتاح التلفزيون على أساليب العمل التلفزيوني الحديث، وطلبت منه سنة 1989 أن يسمح لنا بإلغاء زيارات المجاملة التي يؤديها السفراء للرئيس ورسائل التهنئة، وكان رده في قمة الوعي السياسي ( اعملوا اللي تشوفوه) !
ومن الذكريات كذلك أن الرئيس الشاذلي بن جديد رحمه الله، منح لي فرصة تسجيل حديث معه خلال المؤتمر الخامس لحزب جبهة التحرير الوطني، وكانت آنذاك سابقة في تاريخ التلفزيون الجزائري بعد ان أقنعته بجدوى مثل هذه اللقاءات العفوية، كان بصراحة يستمع للجميع ويحترم الرأي الآخر. وكان لي الشرف كذلك أن أحظى بمناسك عمرة عام 1991 قبيل اشتعال حرب الخليج.
الرابطة: ومتى وكيف بدأت رحلة الهجرة؟
محفوظ بن حفري: "مرغم أخوك لا بطل" كما يقال، شاءت الظروف والأقدار أن أغادر البلد غداة استشهاد زميلي وتلميذي اسماعيل يفصح رحمه الله، أي في 19 اكتوبر 1993 دون تخطيط مسبق. نزلت لندن والضباب يلفني ولا أدري الى أين أتجه. وبمرور الأيام بدأت الرؤيا تتضح بعد أن فتحت لي صحيفة الحياة الأبواب للكتابة التي من خلالها استطعت أن أقف على رجلي. في 24 ساعة سلكت منعرجا لم أكن أتصور في يوم من الأيام أن يقودني إلى حيث ما يتمناه الإنسان أو يحلم به رغم الظروف القاسية التي كانت تلفني.
الرابطة : هل يمكن أن تحكي لنا عن بداياتك في قناة أم بي سي ، وماقدمته خلال فترتك عملك معها في لندن ودبي؟
محفوظ بن حفري: العمل في MBC جاء بعد عدة أشهر من وصولي إلى لندن. وبصراحة كان للتكوين والتجربة الطويلة في التلفزيون الجزائري الفضل في إثبات وجودي ضمن فريق غير متجانس من حيث التكوين أو الجنسيات. وعلى الإنسان أن يحسن التعامل مع كل واحد بأسلوب يختلف عن الآخر. فمن اليوم الأول كنت الوحيد المتعدد الاختصاصات، فكنت مراسلا ومذيعا ورئيس تحرير! الشيء الجميل في تجربة العشر سنوات التي قضيتها في لندن مع قناة أم بي سي، هو أننا نحن الجزائريون على قلتنا في القناة أعطينا صورة مشرفة للإنسان الجزائري، لا من ناحية الأخلاق فحسب، ولكن كذلك من الناحية المهنية وحب الوطن الذي كان في قلوبنا رغم محن العشرية السوداء.
وتجربتي الأخرى في أبوظبي كانت استكمالا لما جنيته في لندن وتعتبر خاتمة حياة مهنية حافلة بمحطات أعتز بالوقوف عندها.
الرابطة: هل أنت من أنصار هجرة الإعلاميين؟
محفوظ بن حفري: المسألة ليست في كوني مع أوضد هجرة الإعلاميين، لكن الحقيقة لا بد وأن تقال دون ديماغوجية، في بداية التسعينيات كان التلفزيون الجزائري قد عاد إلى سابق عهد الحزب الواحد وعادت معها الممارسات غير المهنية بعد طفرة 1989 التي وصل فيها التلفزيون الجزائري إلى قمة المهنية والزملاء يشهدون بذلك دون أن أزكي نفسي.
الهجرة كانت ضرورية رغم أنها كانت بالنسبة لي أمرا مفروضا نظرا لأحداث العشرية السوداء.
الآن وقد انفتح العالم على بعضه فمن المسّلم به أن يبحث الشاب في طرق توصله إلى كسب المزيد من المهارات والبحث عن ما يمكن أن يكون زيادة في سجله المهني.
الرابطة: بعد أكثر من عقدين في المهجر، ماذا خسرت من الهجرة وماذا استفدت، ولو عادت بك ساعة الزمن، هل ستختار الهجرة مجددا ؟
محفوظ بن حفري: دون تردد سأختار طريق الهجرة وفي ظروف عادية غير تلك التي دفعتني إلى مغادرة البلاد بحسرة كبيرة فقدت بعدها الكثير من الأحبة الزملاء وأفراد من العائلة.
ولكن شاء القدر أن يوجهني إلى وجهة أرضاها وكانت منعرجا في تاريخ حياتي المهنية والاجتماعية تعلمت الكثير خلال 20 سنة قضيها في الخارج واستفدت من الفرص التي أُتيحت لي لأكون صحفيا حقيقيا.
نحن من الذين واتتهم الفرصة والظروف بمساوئها ومحاسنها فتم استغلالها. التقيت بالعديد من الزعماء والرؤساء والملوك والشخصيات الإعلامية المرموقة .وكتبت عشرات المقالات والتحاليل في جريد الحياة اللندنية.
الرابطة: كيف تنظر إلى الفضاء الإعلامي الجزائري اليوم ؟
محفوظ بن حفري: لا أحبذ الخوض في هذا الموضوع لأنه معقد ومتشعب، وقد يلومني البعض إن وجهت انتقاداتي لهم، لهذا فضلت أن أبقى صامتا حتى لا أثير زوابع من الردود المضادة ، وبكلمة واحدة علينا ان نُغير الذهنيات وأن نستمع للآخر، خاصة اذا كان من ذوي الخبرة وأن نحترمه ونتعامل معه بأسلوب المهنية لا غير، بعيدا عن كل الاعتبارات، وقطاع الإعلام يتطور بالتوازي مع قطاعات أخرى تشكل دعامات لنمو متدرج يجلب أسس العيش الرغيد للمجتمع.
الرابطة: ماذا تقول للإعلاميين الشباب؟
محفوظ بن حفري: شيء جميل أن تكون صحفيا والأجمل أن تتفاني في كسب المهارات والتجارب مهما كان مصدرها. الشهرة والخبرة تُكتسب بمر الأيام والسنوات. حب المهنة والتطلع إلى المزيد من المعارف الإعلامية هو السبيل إلى فرض الذات واكتساب محبة الناس .
الرابطة: هل من كلمة أخيرة؟
محفوظ بن حفري: أعتبر نفسي من المحظوظين كوني ولدت في الخمسينيات وترعرعت في الستينيات وصرت رجلا في السبعينيات واكتملت الرجولة في الثمانينيات وغيرت وجهة حياتي في التسعينيات. وبداية الألفية هي الحياة التي طالما حلمت بالعيش فيها.
الرابطة : شكرا على فرصة الحوار وعلى ما قدمتم في مشواركم الإعلامي الحافل.